إقامة الحجة قبل تكفير المعين

 

 

مقدمة :

من المعلوم أن العذاب أو العقاب لا يكون إلا بعد إقامة الحجة الشرعية؛ ولكن قد يعتقد البعض إنَّ إقامة الحجة بالعقل أو بالفطرة أو بآية الميثاق أو ببعثة النبى أو هو من يقيمها على نفسه بطلب العلم سواء تمكن أو لا أو أن  ذلك يتحقق بتلاوة آيات من القرآن الكريم أو ذكر أحاديث نبوية أو أقوال لعلماء معينين  دون فهم ، ثم يحق له بعد ذلك أن يباشر إطلاق أحكام التكفير والتبديع والتفسيق على من ألقى إلى أسماعهم تلك النصوص.

ولا شك أن الأمر أعظم من ذلك وأنه لو ساغ ذلك لاضطرب أمر الأمة ولقاتل بعضها بعضًا، وكل من القاتل والمقتول يتدين إلى الله بهذا القتال لتطبيق حكم الله على الكفار والمبتدعة والفساق، على حسب ظنهم واعتقادهم، وهم جميعًا صادقون مع أنفسهم في هذا الظن الذي هو باطل في الحقيقة.

وهذا يسحقق فوضى عارمة لايعلمها إلا الله

ومع أن هذا المبحث لا يتسع لاستيفاء مثل هذا الموضوع الخطير،إلا إننى أستعنت بالله أن أضع بعض النقاط الهامة لاقدمها لأخوانى ممن يبحون على الحق فهذا سيساعدهم إن شاء الله  وأرجوا أن اكون قدمت شيئاً يفيد والله المستعان

معنى : إقامة الحجة :

معناها :  تبليغ الدليل لمن لم يبلغه او خفى عليه وتوضيحه و فهمه لمن بلغه وتأوله تأويل فاسد بشبه أو بفهم خاطئ

قال العلامة : محمد بن عبد الهادي السندي رحمه الله

وقوله : بعد إقامة الحجة عليهم ، أي : بإظهار بطلان دلائلهم.

حاشية السندى على صحيح البخارى (4/92)

وقال العلامة بن بطال رحمه الله

وأما قول البخارى: باب قتال الخوارج بعد إقامة الحجة عليهم فمعناه أنه لا يجب قتال خارجى ولا غيره إلا بعد الإعذار إليه، ودعوته إلى الحق، وتبيين ما ألبس عليه، فإن أبى من الرجوع إلى الحق وجب قتاله بدليل قوله تعالى: {وما كان الله ليضل قومًا بعد إذا هداهم حتى يبين لهم ما يتقون} [التوبة: 115]  {شرح البخاري لابن بطال 16/140 }وبه قال {الحافظ بن حجر فى الفتح 12/299}وغيره من العلماء

الدليل على وجوب إقامة الحجة  :

من القرآن الكريم :

1}قال تعالي { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا }(15)الاسراء

ولا يعذب الله أحدًا إلا بعد إقامة الحجة عليه بإرسال الرسل وإنزال الكتب. { التفسير الميسر مجموعة علماء بالمملكة وبإشراف العلامة صالح عبد العزيز  آل الشيخ }

2} { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [التوبة: 115] }

  وما كان الله ليضلَّ قومًا بعد أن مَنَّ عليهم بالهداية والتوفيق حتى يبيِّن لهم ما يتقونه به، وما يحتاجون إليه في أصول الدين وفروعه. إن الله بكل شيء عليم، فقد علَّمكم ما لم تكونوا تعلمون، وبيَّن لكم ما به تنتفعون، وأقام الحجة عليكم بإبلاغكم رسالته. { التفسير الميسر مجموعة علماء بالمملكة وبإشراف العلامة صالح عبد العزيز  آل الشيخ }

3} {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } (165)النساء

أرسَلْتُ رسلا إلى خَلْقي مُبشِّرين بثوابي, ومنذرين بعقابي; لئلا يكون للبشر حجة يعتذرون بها بعد إرسال الرسل. وكان الله عزيزًا في ملكه, حكيمًا في تدبيره. { التفسير الميسر مجموعة علماء بالمملكة وبإشراف العلامة صالح آل الشيخ }

من السنة النبوية :

1}  عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِى لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ . فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ « تَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ ، وَاللَّهِ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّى ، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ » .البخاري ومسلم (وعن ابن مسعود)

قال النووي في شرح مسلم

فالعذر هنا بمعنى الاعذار والانذار قبل أخذهم بالعقوبة ولهذا بعث المرسلين كما قال سبحانه وتعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا

2} في صحيح مسلم وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال:” والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار“.

والسماع يوضحه شيخ الإسلام بن تيمية  بقوله : قد علم أن المراد أنه يسمعه سمعا يتمكن معه من فهم معناه (القرآن )إذ المقصود لا يقوم بمجرد سمع لفظ لا يتمكن معه من فهم المعنى فلو كان غير عربي وجب أن يترجم له ما يقوم به عليه الحجة ولو كان عربيا وفي القرآن ألفاظ غريبة ليست لغته وجب أن يبين له معناها ولو سمع اللفظ كما يسمعه كثير من الناس ولم يفقه المعنى وطلب منا أن نفسره له ونبين له معناه فعلينا ذلك.

وإن سألنا عن سؤال يقدح في القرآن أجبناه عنه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم أذا أورد عليه بعض المشركين أو أهل الكتاب أو المسلمين سؤالا يوردونه على القرآن فإنه كان يجيبه عنه كما أجاب ابن الزبعري لما قاس المسيح على آلهة المشركين  {الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ص -138  }

والأدلة كثيرة ولكن نكتفى بذلك خشية الإطالة

الإجماع :

1} قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله :

(الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده، ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ، فإن الله يغفر له خطاياه كائناً ما كان، سواء كان في المسائل النظرية، أو العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وجماهير أئمة الإسلام) ((مجموع الفتاوى)) (23/ 346).

2} قال الشيخ : وليد بن راشد السعيدان :

وأجمعوا على أن التكفير العام لا يستلزم تكفير المعين إلا بعد ثبوت الشروط وانتفاء الموانع

{تشنيف الأسماع ببعض مسائل الإجماع صـ4 }

3} الإمام  عبدالرحمن السعدي رحمه الله :

قال : (إن المتأولين من أهل القبلة الذين ضلوا وأخطأوا في فهم ما جاء في الكتاب والسنة، مع إيمانهم بالرسول واعتقادهم صدقه في كل ما قال، وأن ما قاله كان حقاً والتزموا ذلك، لكنهم أخطأوا في بعض المسائل الخبرية أو العملية، فهؤلاء قد دل الكتاب والسنة على عدم خروجهم من الدين، وعدم الحكم لهم بأحكام الكافرين، وأجمع الصحابة رضي الله عنهم والتابعون ومن بعدهم من أئمة السلف على ذلك) ((الإرشاد في معرفة الأحكام)) (ص: 207).

بعض أقوال العلماء :

1} الإمام ابن حزم رحمه الله  :

 وكل ما قلنا فيه إنه يفسق فاعله أو يكفر بعد قيام الحجة عليه فهو ما لم تقم عليه الحجة معذور مأجور وإن كان مخطئاً، وصفة قيام الحجة عليه هو أن تبلغه فلا يكون عنده شيء يقاومها”  {الإحكام لابن حزم 1/67.}

2} قال  شيخ الإسلام  بن تيمية رحمه الله :

 وليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك ؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة” ( مجموع الفتاوى (12/466)

و قوله رحمه الله -: (فإنا بعد معرفة ما جاء به الرسول نعلم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن تدعو أحداً من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، ولا بلفظ الاستعاذة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا لغير ميت ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور و إن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلممما يخالفه) (الرد على البكري 376، وانظر مجموع الفتاوى 1/372،).

3} الإمام ابن قدامة رحمه الله :

 قال : (( وكذلك كلُّ جاهل بشيء يُمكن أن يجهله، لا يُحكم بكفره حتى يعرف ذلك وتزول عنه الشبهة ويستحله بعد ذلك )). المغني (12/277).

4} قال الإمام عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب  :

عن بعض من يعمل الشرك أنه لا يكفر: (لعدم من يناضل في هذه المسألة في وقته بلسانه، وسيفه وسنانه، فلم تقم عليه الحجة، ولا وضحت له المحجة … ) ((الهداية السنية)) لسليمان بن سحمان (46/ 47).

5}  الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن  رحمه الله :

 قال : وقرر الإمام المجدد أنه (قرر أن من قامت عليه الحجة، وتأهل لمعرفتها، يكفر بعبادة القبور) ((حكم تكفير المعين)) (ص: 18)

متى يكون إقامة الحجة  واجبة ؟

معلوم إن إقامة الحجة تختلف من بلد إلى بلد ومن شخص إلى شخص ومن مسألة إلى مسألة

كما قال ابن القيم: في (( طريق الهجرتين : 413 )) : “وأما بأي شيء تقوم الحجة : فهذا يختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان ، فما تقوم الحجة في عصور ازدهار العلم غير ما تقوم به في عصور انحطاطه، وما تقوم به في المدن غير ما تقوم به في البوادي البعيدة عن العلم وأهله، كما أن الحجة تختلف من شخص إلى آخر بحسب تفاوت الناس في العلم وقدراتهم, فليراع كل ذلك.

ولذلك فإن بعض البلاد ينتشر فيها الجهل والشرك  فتجب إقامة الجحة على أهلها عكس بلاد التوحيد والعلم وهناك شخص  جاهل فى بعض المسائل أو خفى عنه الدليل أو تأول دليلها أو قلد شيخ ضال فهذا لابد ان يقام عليه الحجة يعنى يقام الحجة حيث وجد مظنة الجهل والتأويل الفاسد

قال شيخ إلاسلام بن تيمية  : ( والتكفير هو من الوعيد فإنه وان كان القول تكذيباً لما قاله الرسول لكن قد يكون الرجل:-

1. … حديث عهد بإسلام .

2. … أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة

3. … وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص.

4. … أو سمعها ولم تثبت عنده .

5. … أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً“.( مجموع الفتاوى (3/229 ، 231).

إذاً  قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص فالمسألة نسبية فقد تقوم الحجة على أهل هذا البلد لانتشار العلم والعلماء، ولا تقوم على بلد آخر لضعف من يدعو ويبلغ، وقد تقوم الحجة على هذا الشخص لعلمه وفهمه، ولا تقوم على آخر لعدم تمكنه من العلم لأنه حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة ونحو ذلك.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة الذي يندرس فيها كثير من علوم النبوات، حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيراً مما يبعث الله به رسوله ولا يكون هناك من يبلغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر، ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان، وكان حديث العهد بالإسلام، فأنكر شيئاً من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول) ((مجموع الفتاوي)) (11/ 407))

فأغلب من يقع فى بعض أفعال الشرك من الجهلة فى أمة محمد يفعلونها عن تقليد شيخ ضآل أو عدم بلوغ الجحة لهم ومن هذة المسائل التوسل والطواف حول الأضرحة وطلب المدد من الأموات والإعتقاد فيهم و….

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ :

ولهذا نقول: كل طلبِ شفاعة من الأموات أو الغائبين ممن لا يملكها أو لا يستطيعها أو لم يُؤذن له فيها شرعا في حياة البرزخ فإنّ هذه من الشرك بالله

لكنّ الشُّبْهَة في الشفاعة كبيرة وتحتاج إلى إقامة الحجة على المخالف أكثر من غيرها من مسائل العقيدة.

المشركون لم يكونوا يطلبون من آلهتهم الدّعاء، لم يكونوا يطلبون من أوثانهم لتشفع ولكن كانوا يتقربون إليها لتشفع.

فإذن صورة طلب الشفاعة من الميّت محدثة.

ولهذا يُعَبِّر كثير من أهل العلم عن طلب الشفاعة من الأموات بأنها بدعة محدثة؛ لأنّها لم تكن فيما قبل الزمان الذي أُحدثت فيه تلك المحدثات في هذه الأمة.

فإذاً تعبير بعض أهل العلم عنها بأنها بدعة، لا يعني أنها ليست بشرك؛ لأنَّ البِدَعَ منها ما هو كفري شركي ومنها ما هو دون ذلك.

تفاصيل مسألة الشفاعة من حيث تعلقها بتوحيد الإلهية مبسوط في شرح كتاب التوحيد كما هو معروف، والمقام في شرح العقيدة العامة لا يتسع لتفصيل الكلام على ذلك.

المصدر سلسلة  ((إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل الشريط الخامس عشر))

من الذى يقيم الحجة ؟

الذى يقيم الحجة هو عالم من العلماء الربانيين أو قاضى من القضاة الشرعيين وليس إى إنسان أو طالب علم

قال العلامة سليمان بن سحمان  آل الشيخ رحمه الله  :

وأما قول السائل: هل كل تقوم به الحجة أم لا بد من إنسان يحسن إقامتها على من أقامها عليه؟ فالذي يظهر لي _والله أعلم_ أنها لا تقوم الحجة إلا بمن يحسن إقامتها, وأما من لا يحسن إقامتها: كالجاهل الذي لا يعرف أحكام دينه, ولا ما ذكره العلماء في ذلك, فإنه لا تقوم به الحجة فيما أعلم, والله أعلم. ((منهاج الحق والاتباع)) (ص: 68).

وقد قال العلامة صالح  بن عبد العزيز آل الشيخ :

إقامة الحجة تحتاج:

إلى مقيم.

وإلى صفة.

أما المقيم: فهو العالِمُ بِمَعْنَى الحُجَّةْ، العالِمُ بحال الشخص واعتقاده.

وأما صفة الحجة: فهي أن تكون حُجَّةً رساليّةً بَيَّنَةً، قال تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ  . إبراهيم:4].

وقال فى نفس الشريط :

فإنَّ تكفير من كَفَّرَهُ الله ? بالنوع واجب والامتناع عن ذلك من الامتناع عن شرع الله .

وأمَّا المُعَيَّنْ فإنهم لا يُكَفِّرُونَه إلا إذا اجتمعت الشروط وانتفت الموانع.

وعند من تجتمع الشروط وتنتفي الموانع؟

عند من يُحْسِنُ إثبات البيّنات و يُحْسِنُ إثبات الشرط وانتفاء المانع وهو العالم بشرع الله الذي يَصْلُحُ للقضاء أو للفتيا، فيحكم على كل معين بما يستحقه

 المصدر سلسلة ((إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل)) الشريط السادس والعشرون

هل يشترط فى إقامة الحجة  فهمها ؟

أولاً : فهم الحجة يراد به نوعيين

1} فهم الدلالة : إى فهم الآيات والاحاديث للجاهل وتوضيح الشبه والتأويل للمتأول أو المقلد فهذا لابد منه

2} فهم والهدايه : إى  يفهم حتى يقتنع ويهتدى هذا ليس شرط

قال العلامة صالح  بن عبد العزيز آل الشيخ :

فهم الحجة نوعان:

النوع الأول: أن يفهم معناها؛ يعني أن يقيم الحجة من يفهم معنى الحجة، بأن يكون بلسان المخاطب، وأن يفهم المراد من الحجة، وهذا النوع متفق على أنه لابد منه، فإن الله جل جلاله ما بعث رسوله إلا بلسان قومه يبين لهم، كل رسول بعث بلسان قوم ذلك الرسول، يتكلم بلغتهم ويتكلم بلسانهم حتى يبين لهم الحجة، وحتى يفهموا معناها، وهذا متفق على أنه لا بد منه؛ لأنه إذا خوطب أحد بغير اللسان الذي يفهمه لم يكن ثَم إقامة للحجة، فإذن هذا النوع رجع إلى أنه في يعني إقامة الحجة، فإقامة الحجة لا يكون إلا بفهم معناها في هذا النوع.

النوع الثاني: فهم الحجة الفهم الذي يتبعه استجابة للحجة، فإن من فهم الحجة فهما مستقيما كاملا لابد أن ينقاد لها وهذا هو الذي لا يشترط في إقامة الحجة، فلم يكن لأولئك عذر بقولهم (مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ)، (مَا نَفْقَهُ) يعني ما نعلم ولا نفهم أن هذا الذي تقول أرجح من قولنا، ولا نفهم أن علمك الذي أوتيت به أرجح من علمنا، وهذا النوع هو الذي حرمه المشركون في أنهم لم يفهموا فهم استجابة، لم يفهموا الحجة من جهة كونها أرجح من حجتهم، ولكن الحجة فهموا معناها.

فإذن فهم الحجة معناها.

النوع الأول لابد منه.

وأما النوع الثاني وهو أن تفهم فهم من يستجيب، فإن هذا لا يشترط في إقامة الحجة، فإن الحجة تقوم ولو زعم الزاعمون أنهم لم يفهموا معناها إذا بينت لهم ألفاظها وكانت بلسانهم وبين لهم معناها من أهل العلم والفهم لبيان المعنى……… أن الصواب تقسيم فهم الحجة إلى قسمين؛ لأن من أهل السنة في هذا القرن من اعترض على أئمتنا على عدم اشتراط فهم الحجة لأنه قال لابد من فهم الحجة، كيف تقام الحجة على من لم يفهمها؟ والعلماء بينوا لكن هؤلاء ما انتبهوا إلى أنّ فهم الحجة بالمعنى الأول الذي ذكرناه وهو فهم المعنى، وفهم مدلولات الكلام وفهم الاستدلال ووجه الاستدلال هذا لا بد منه، أما الفهم الذي هو معرفة رجحان هذه الحجة على غيرها وقطع الشبه جميع الشبه فهذا لا يشترط كما بينه الأئمة

 المصدر شرح مسائل الجاهلية للشيخ صالح آل الشيخ الشريط الرابع

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: (0من المعلوم أن قيام الحجة ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله، وخلا من شيء يعذر به فهو كافر، كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن، مع قول تعالى: وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ [الإسراء: 46] وقوله: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ [الأنفال: 22]) ((الدرر السنية)) (8/ 79)

ومقصود الشيخ الإمام من فهم الحجة ها هنا: أي الفهم الذي يقتضي الانتفاع والتوفيق والاهتداء، كما مثل له بفهم الصديق رضي الله عنه، وأما قيام الحجة فتقضي الإدراك وفهم الدلالة، والإرشاد، وإن لم يتحقق توفيق أو انتفاع، كما قال الله تعالى وَأَما ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [فصلت: 17].

ومما يؤكد ذلك ما سطره تلميذه الشيخ حمد بن ناصر بن معمر رحمه الله حيث قال: (وليس المراد بقيام الحجة أن يفهمها الإنسان فهماً جلياً كما يفهمها من هداه الله ووفقه، وانقاد لأمره، فإن الكفار قد قامت عليه حجة الله مع إخباره بأنه جعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوه) (((مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)) (4/ 638)).

والعلامة رشيد رضا رحمه الله :  ذكر أن أكابر علماء نجد  أختلفوا فى مجلس الملك عبد العزيز آل سعود  فى مكة المكرمة فكانت  الحجة للشيخ ابن بليهد  بإن العبرة بفهم الحجة وليس ببلوغها فقط  وأورد لهم نصاً صريحاً من كلام المحقق بن القيم فقنعوا به )  { مجموعة الرسائل والمسائل النجدية حاشية 515}  وهذة حادثة هامة تؤكد رجوع علماء نجد عن  القول بإن الحجة تقوم بمجرد البلوغ

قد سئل العلامة صالح  بن عبد العزيز آل الشيخ :

س1/ هل عدم اشتراط فهم الحجة أن لا يفهموا مقصود الشارع؟

ج/ ذكرنا لكم مراراً أنَّ العلماء الذين نَصُّوا على أنَّ فهم الحجة ليس بشرط في صحة قيام الحُجَّةْ بَنَوا على الدليل وهو قول الله ? ?وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ?(21) فالله ? جَعَلَ على القلوب أَكِنَّةْ لِأَلَا يفهموه، فدلَّ على أنَّ الفهم والفقه فقه الحجةليس بشرط؛ لأنَّ إقامة الحجة بالقرآن، تلاوة القرآن عليهم وهم أهل اللّسان كافٍ في قيامها.

فصار إذاً الحال مشتملْ على:

أنَّ إقامة الحجة شرط، ومعنى إقامة الحجة أن تكون الحجة من الكتاب أو من السنة أو من الدليل العقلي الذي دل عليه القرآن أو السنة.

وأن فَهْمَ اللسان العربي، فَهْمْ معنى الحجة بلسان من أقيمت عليه هذا لابد منه؛ لأنَّ المقصود من إقامة الحجة أن يَفْهَمَ مَعَانِيَ هذه الكلمات، أن يفهم معنى الحديث، أن يفهم معنى الآية.

?وأما ما لا يشترط وهو فَهْمُ الحُجَّةْ، فيُرَادُ به أن تكون هذه الحجة أرجح من الشبه التي عنده؛ لأنَّ ضلال الضالين ليس كله عن عناد، وإنما بعضه ابتلاء من الله ?، وبعضه للإعراض، وبعضه لذنوبٍ منهم ونحو ذلك.

لهذا فإنَّ فهم الحجة على قسمين:

(يُرَادُ بفهم الحجة فهم معاني الأدلة، فهذا لابد منه، فلا يُكْتَفَي في إقامة الحجة على أعجمي لا يفهم اللغة العربية بأن تُتْلَى عليه آية باللغة العربية، وهو لا يفهم معناها، ويقال قد بَلَغَهُ القرآن والله ? يقول ?لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ?[الأنعام:19]، هذا ليس بكافٍ، لابد أن تكون الحجة بلسان من أقيمت عليه ليفهم المعنى، قال سبحانه ?وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ?[إبراهيم:4].

( المعنى الثاني لفهم الحجة أن يَفْهَمَ كونَ هذه الحجة أرجَحَ من شبهته التي عنده، المشركون كما قررنا لكم في شرح كشف الشبهاتعندهم علم وعندهم كتب وعندهم حُجَجَ كما أخبر الله ? في كتابه.

ففَهْمُ حُجَّةْ الرسول ?، وفهم القرآن، وفهم حجة النبي ? العقلية التي أدلى بها عليهم بعد الوحي، هذه معناها أن يفهموا المعنى.

إذا كانوا هم فهموا المعنى؛ لكن مثل ما يقول القائل:ما اقْتَنَعْ أَنَّ هذه الحجة أقوى من الشبهة التي عنده، فهذا ليس بشرط.

فإذن ما يُشْتَرَطْ من فهم الحجة هوالقسم الأول؛ وهو:

فهم المعنى.

فهم دلالة الآية باللغة العربية ونحو ذلك.

أما فهم الحجة بمعنى كون هذه الحجة أرجح في المقصود وأدلّ على بطلان عبادة غير الله أو على بطلان الباطل، هذا ليس بشرط، المهم يفهم معناها ودلالتها، ثم بعد ذلك الله ? يُضل من يشاء ويهدي من يشاء.

المصدر سلسلة ((إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل)) الشريط السادس والعشرون

 وسئل أيضاً :

س1/ هل هناك فرق بين فهم الحجة والاقتناع بالحجة؟

ج/ هذا مرّ معنا الجواب عليه1 وهو أنَّ فهم الحجة الذي لا يُشترط في إقامة الحجة هو الاقتناع، كونه اقتنع أو لم يقتنع هذه ليس شرطاً؛ لكن المهم أن تُقَام عليه الحجة بوضوح وبدليل لأنه إذا قلنا بشرط الاقتناع معنى ذلك أنه لا يكفر إلا المعاند، والأدلة دَلَّتْ في القرآن والسنة على أنَّ الكافر يكون معانداً ويكون غير معاند، يكون مقتنع وأحياناً يكون غير مقتنع عنده شبهة لا زالت عنده ولكن لم يتخلص منها لأسباب راجعة إليه.

المصدر سلسلة ((إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل)) الشريط الثامن والعشرون

فإقامة الحجة متوقف على بلاغ الدليل إلى المعين من الكتاب والسنة بوضوح وفهم

ولذلك قال العلامة عبد الرحمن السعدى فى تفسير قوله تعالى { فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ } أي: البين الظاهر الذي يصل إلى القلوب، ولا يبقى لأحد على الله حجة،

وقال فى تفسير قوله تعالى { وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ } أي: تبليغكم البين الذي لا يبقي لأحد شكا ولا شبهة،  { تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن }

وقال شيخ الإسلام بن تيمية عليه رحمة الله: وقوله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ }.

قد علم أن المراد أنه يسمعه سمعا يتمكن معه من فهم معناه إذ المقصود لا يقوم بمجرد سمع لفظ لا يتمكن معه من فهم المعنى فلو كان غير عربي وجب أن يترجم له ما يقوم به عليه الحجة ولو كان عربيا وفي القرآن ألفاظ غريبة ليست لغته وجب أن يبين له معناها ولو سمع اللفظ كما يسمعه كثير من الناس ولم يفقه المعنى وطلب منا أن نفسره له ونبين له معناه فعلينا ذلك.

وإن سألنا عن سؤال يقدح في القرآن أجبناه عنه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم أذا أورد عليه بعض المشركين أو أهل الكتاب أو المسلمين سؤالا يوردونه على القرآن فإنه كان يجيبه عنه كما أجاب ابن الزبعري لما قاس المسيح على آلهة المشركين  {الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ص -138  }

وسئل الإمام  الألباني رحمه الله

السائل : هل هناك فرق في الشريعة في مسألة الإنذار أو قيام الحجة ،وبين قيام الحجة وفهمها ،حتى يعني تكون سبب من أسباب قيام حجة الله على عباده ؟

جواب الشيخ : هل تقصد فهمها أو إفهامها ( قال السائل : فهمها ) يعني فيه فرق، فلو كان رجلا مجنونا أو كان رجل أعجمي لا يفقه اللغة العربية ، أوأو،احتمالات كثيرة ربما نضطر إلى أن نذكر شيئا منه ، أولا: هل تكون الحجة قائمة ؟ طبعا لا. جوابي هذا على سؤالك هذا ، يذكرني بمناقشة جرت في مجلس لأول مرة حينما كنت جئت للتدريس في الجامعة الإسلامية ، وقبل أن تفتح أبواب الدراسة اجتمعنا في مجلس في سهرة مع بعض أهل العلم والفضل ، فأثير هذا الموضوع فقال بعضهم بأن دعوة الإسلام الآن بلغت كل بلاد الدنيا ، وأتبع كلامه بقوله أي : القرآن والحمد لله يذاع من كل البلاد الإسلامية ، إلى كل أقطار الدنيا ، وأنا أجبت بما خلاصته ، يا أستاذ أنت تقول القرآن و أنا أقول معك كما قلت ، لكن العرب كشعب أو كأمة ، فيهم الآن من لا يفهم القرآن ، فكيف تريد من الأعجام ، الألمان والبريطان و الأمريكان ، أن يفهموا القرآن بلغة القرآن، وغير مترجم إلى لغتهم على الأقل كيف تقوم الحجة على هؤلاء . بأن يسمعوا القرآن يتلى بلغة القرآن ، هذا لا يعني أنه قد أقيمت الحجة عليهم، ولذلك فأنا أقول : لا بد من أن يفهم الذي بلغته الحجة، أن يفهمها ، وأنا أضيف شيئا آخر . ليس كل من ينقل الحجة يحسن نقلها ولذلك فقيام الحجة على شخص ما ، ليس من السهل نحن أن نقول : أقيمت الحجة على فلان ، ولذلك أنا كثيرا ما أعترض على بعض إخواننا المبتدئين في طلب العلم والسالكين معنا في هذا الدرب، من الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح والمتحمسين ، فيقول أحدهم : أنا البارحة اجتمعت مع الشيخ فلان أو الدكتور الفلاني ، وناقشته في مسألة الاستغاثة بغير الله أو التوسل أو ما شابه ذلك وقلت : هذا لا يجوز و هذا حرام وهذا شرك وإلى آخره ، وهو يصلي بنا إماما، فأنا أقمت الحجة عليه ، فهل تجوز صلاتي خلفه ؟ أنا أقول أنت كيف تتصور أنك أقمت الحجة عليه ، وأنت بعد لا تزال في التعبير السوري في الرقراق، يعني في الضحضاح يعني في أول العلم ، ما ينبغي أن نتصور أن كل طالب علم يستطيع أن يقيم الحجة على المسلم الضال ، فضلا عن الكافر المشرك ، لكن كل إنسان مكلف أن يبلغ ما يستطيع ، أما هل قامت الحجة عليه أو لم تقم ، هذا علمه عند ربي ، ولذلك أنا ما أتصور أن كل شخص أفهم الحجة ، وبالتالي قامت عليه الحجة ، لكن أنا أقول من علم الله عز وجل منه أنه قامت الحجة عليه ، و تبينت له وجحدها ، فهو الذي يحكم عليه بالنار يوم القيامة ، ولذلك كما تعلمون جميعا ، أن الكفر مشتق من معنى التغطية فيعني حينما نقول فلان كافر ،يعني تبين له الحق ثم حاد عنه ، ولذلك قال تعالى ( وجحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ) فأي كافر بلغته حجة الله عز و جل وفهمها جيدا ثم جحد ، فهذا الذي يعذب ، ولذلك ربنا عز وجل وصف بعض أهل الكتاب بقوله ويعني نبيه عليه السلام : ( يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) فهم يعرفون أن محمدا عليه السلام رسول وصادق ومبعوث إلى الناس كافة ، وليس إلى العرب فقط كما قالت بعض الطوائف من اليهود ، لا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، لكن مع ذلك تعصبوا لمن كانوا ينتظرونه أن يبعث منهم وفيهم، هذا هو الذي أعتقده بالنسبة لسؤالك المذكور آنفا .

المصدر :سلسلة الهدى والنور رقم الشريط 616 .

إجماع الصحابة على ذلك  :  ومما يدل على ذلك إعذار الصحابه لمن فهم آيات تحريم الخمر غلط وشربها مستحل لها  

 قال شيخ الإسلام بن تيمية : (… و أما الفرائض الأربع فإذا جحد وجوب شيء منها بعد بلوغ الحجة فهو كافر، وكذلك من جحد تحريم شيء من المحرمات الظاهرة المتواتر تحريمها كالفواحش والظلم والكذب والخمر ونحو ذلك، و أما من لم تقم عليه الحجة مثل أن يكون حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، لم تبلغه فيها شرائع الإسلام ونحو ذلك، أو غلط فظن أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستثنون من تحريم الخمر، كما غلط في ذلك الذين استتابهم عمر، وأمثال ذلك. فإنهم يستتابون وتقام الحجة عليهم، فإن أصروا كفروا حينئذ، ولا يحكم بكفرهم قبل ذلك، كما لم يحكم الصحابة بكفر قدامة بن مظعون، وأصحابه لما غلطوا فيما غلطوا من التأويل) (مجموع الفتاوي 35/165) )  ولا شك ان إستحلالهم للقضية الظاهرة راجع إلى عدم الفهم لا عدم تبليغهم النص

مما يؤكد أن المعتبر عند  اغلب علماء السلف  كشيخ الإسلام بن تيمية وبن القيم وبن كثير وغيرهم   فى إقامة الجحة هو فهم الخطاب وليس تبليغه فقط  أعذارهم المتأول فمعلوم ان المتأول بلغه النص ولكنه لم يتحصل على الفهم الصحيح  المطابق لمراد الله تعالى فليس الخطأ عنده بسبب عدم بلوغه النص ولكن الخطأ عنده فى فهم النص

ما هى صفة قيام الحجة ؟

أن تبلغ بالكتاب والسنة بفهم السلف الصالح وترد على كل الشبهات بوضوح

يقول الإمام ابن حزم رحمه الله -:

(، وصفة قيام الحجة عليه أن تبلغه فلا يكون عنده شيء يقاومها وبالله التوفيق)

((الإحكام لابن حزم)) (1/ 67).

وقد قال العلامة صالح  بن عبد العزيز آل الشيخ :

وأما صفة الحجة: فهي أن تكون حُجَّةً رساليّةً بَيَّنَةً، قال ? ?وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ?[إبراهيم:4].

واشْتَرَطَ أهل العلم أن تكون الحجة رسالية؛ يعني أن تكون قول الله ? وقول رسوله ?.

يعني أما إن كانت عقليةً وليس المَأْخَذُ العَقْلِيُّ من النص فإنّه لا يُكتفى به في إقامة الحجة؛ بل لابد أن تكون الحجة رسالية.

لهذا يُعَبِّرْ ابن تيمية و يُعَبِّرْ ابن حزم وجَمْعٌ بِأَنْ تكون الحجة رسالية؛ والسبب لأنها يَرْجِعُ فيها مَنْ لم يأخذ بالحجة إلى رَدِّ ما جاء من الله ? ومن رسوله ?.

المصدر سلسلة ((إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل)) الشريط السادس والعشرون

وقد سئل  أيضاً العلامة صالح  بن عبد العزيز آل الشيخ :

س/ يقول: إذا كان لابد من فهم الحجة هل يعني هذا أنه لابد من ذكر الأدلة ووجه الدلالة ولا يكفي أن يقال إن هذا شرك أو بدعة أو حتى معصية أم لا؟

الجواب: الحكم ليس إقامة الحجة لمن ذكر حكم مسألة لواقع فيها لا يعتبر هذا إقامة للحجة حتى يبين له الحجة الرسالية، كما يعبر عنها أهل العلم يقولون إقامة الحجة هي إقامة الحجة الرسالية، ليس إقامة الحجة في رأي أحد؛ يعني تبيين له آيات من القرآن العظيم، تبين له الأدلة من السنة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يبين له وجه دلالتها، ويبين له ذلك من هو عارف بأوجه الاستدلال فاهم لذلك، فإذا بُيِّن له ذلك من هو عارف بأوجه الاستدلال فأصر ولم يستجب فقد أقيمت عليه الحجة، وإقامة الحجة مختلف فبعض المسائل لا يكفي في إقامة الحجة فيها فعل الواحد من أهل العلم، بل لابد أن تجلى مسائلها وذلك لكونها غامضة، فإقامة الحجة تبع لأصل المسألة.

فإذا كانت المسألة واضحة كانت إقامة الحجة فيها أسهل وأيسر مثل كون الاستغاثة بغر الله جل وعلا من الأصوات شرك هذه ظاهرة واضحة، الأدلة عليها ما تحتاج مزيد بيان ومتابعة في ذلك.

لكن هناك مسألة غلِط فيها طائفة من أهل العلم، وهي طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم شرك أم لا؟ هذه المسألة إقامة الحجة فيها يجب أن يكون بأبلغ من إقامة الحجة في الأولى؛ لأن تلك واضحة بينة، وأما هذه ملتبسة فيكون إقامتها بإقامة الدلائل وإيضاحها وتوالي ذلك وتصنيف المصنفات ونحو ذلك حتى تقام وتبين؛ لأنها فيها نوع اشتباه عند كثير من الناس، لاشك أنه من قال بها وهم قلة أن قولهم خطأ وقول ضعيف لا يلتفت إليه، بل هي من جنس غيرها طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم ومن جنس طلب غير الشفاعة من الدعاء وغيره، بل إن الشفاعة معناها أن تطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو؛ أن يكلم الطالب من النبي أن يدعو له، وهذا طلب ودعاء ولهذا نحتاج إلى مزيد بيان. فإذن إقامة الحجة له مراتب مختلفة، فكلما كانت المسألة أكثر اشتباها كانت إقامة الحجة فيها لابد أن يكون أكثر وأبلغ، وهذه المسألة نصّ عليها وذكرها أئمتنا منهم الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في فتاويه

{المصدر شرح مسائل الجاهلية للشيخ صالح عبد العزيز    آل الشيخ الشريط الخامس }

إذاً خلاصة ما سبق أن يقال، لابد من قيام حجة صحيحة تنفي عمن تقام عليه أي شبهة أو تأويل، وبذلك ندرك عظم المسئولية الملقاة على عاتق العلماء والدعاة ممن يحسن إقامة الحجة، ليقيموا الحجة على الخلق ويزيلوا الشبه عنهم

نماذج مشرفه من إقامة الحجة على المخالف من سلفنا الصالح :

إذا نظرنا إلى سيرة سلفنا الصالح في هذا الموضوع نجد نماذج كثيرة من العلماء الأعلام الذين كانت لهم جهود موفقة في رد أهل البدع والمخالفين لأهل السنة إلى الحق.

فها هو ابن عباس رضي الله عنهما يذهب إلى الخوارج في عقر دارهم، ويناظرهم، ويزيل شبهاتهم، فيرجع منهم من شاء الله له الهداية والسلامة، ويبقى القليل فقط على بدعتهم لسيطرة أهوائهم عليهم.

وها هو الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يثبت في الميدان وحده، ويعلن عقيدة السلف ويظهرها في أحلك الظروف وأصعبها، ويناظر خصومه بالكتاب والسنة دون أن يخشى في الله لومة لائم، حتى لو كان الرأي المخالف لأهل السنة يتبناه السلطان، ويفرض على المسلمين فرضا بالقوة  ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (11/ 232 – 265)

وها هو عبد العزيز الكناني رحمه الله لا يصبر لحظة واحدة عندما يسمع بخبر ظهور بدعة بشر المريسي ومن معه في العراق فيسافر من مكة إلى هناك بعد أن استخار الله ولجأ إليه بالدعاء أن يوفقه إلى إظهار الحق وقمع البدعة، وإقامة الحجة على خلقه، وفور وصوله إلى العراق قام بمناظرة المبتدعة جميعاً وهو وحده، فأقام عليهم الحجة، وأظهره الله عز وجل عليهم، مع أنه كان معرضاً نفسه للقتل إذا لم يستطع إقناع الأمير وإفحام الخصوم.

وها هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يناظر المبتدعة بكل طوائفهم وفرقهم جماعات وأفراداً، كمناقشته لفرقة البطائحية ((مجموع الفتاوى)) (11/ 445 – 476).، وكمناقشته للبكري، فأفحمهم، وأقام الحجة عليهم، وأظهره الله على خصومه، والتزم السنة خلق كثير، وظهرت السنة وسطع نورها فاستبانت لكل ذي بصيرة، وانتشرت بين الناس، ولازالت مناظراته، وعلمه، ونصرته للسنة يجني المسلمون ثمارها إلى يومنا هذا.

وكم من الأمثلة الكثيرة في تاريخ سلفنا الصالح المضيء لهذه المسألة المهمة ألا وهي إقامة الحجة على الناس ونشر العلم النافع، ونصر السنة، وقمع البدعة، وإصلاح ذات البين إصلاحاً علمياً صحيحاً لا كما ينادي به بعض المصلحين في عصرنا من الإصلاحات التلفيقية العاطفية.

لقد قام العلماء الأجلاء من سلفنا الصالح بواجبهم خير قيام، ونصروا دين الله عز وجل وأظهروا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وحاربوا البدع والضلالات. حتى وصل الأمر بهؤلاء العلماء الأفاضل أن جعلوا إظهار السنة ومحاربة البدعة أفضل من التنسك والنوافل من صيام وقيام وما إلى ذلك، وعللوا ذلك بأن التنسك والصيام والقيام يعود نفعه على الشخص نفسه فقط ولا يتعداه إلى غيره، أما نصرة دين الله وإظهار سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقمع البدع فيعود نفعها ويعم خيرها المسلمين جميعاً.

 

          

 

About كريم إمام السلفى

^_^ محب للعلم وأهله مبغض الجهل وأهله

Posted on 09/10/2014, in مُدونات صديقة. Bookmark the permalink. أضف تعليق.

أضف تعليق

مدونة التاعب

محمد شاهين التاعب: باحث في الأديان والعقائد والمذاهب الفكرية المعاصرة

مُكَافِح الشُّبُهات

أبو عمر الباحث - غفر الله له ولوالديه

مدونة أبوعمارالأثري

طالب علم متخصص في مقارنة الأديان ونقد المسيحية والرد على الشبهات

الرَّد الصَّرِيح عَلَى مَنْ بدَّل دِينَ المَسِيح

تَحتَ إِشْراف:المُدَافِع السَّلَفِي ــ أَيُّوب المَغْرِبِي

مدوّنة كشف النصارى

للحق دولة ، وللباطل جولة